اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
تفسير سورة الكهف
28888 مشاهدة
قصة القرية

بعد ذلك يقول الله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ دخلا قرية من القرى.
فاستطعما أهلها: طلبا منهم طعاما كضيافة وإكرام فامتنع أهل تلك القرية كلها أن يضيفوهما. يعني: أن يعطوهما طعاما كقرى يتقوتان به تلك الليلة، وهذا إما دليل على أن أهل تلك القرية غير مؤمنين، ولا يعترفون بنبوة الخضر أو بفضله، وإما أنه غلب عليهم البخل، قرية كاملة استطعما أهلها، وطلبا منهم طعاما كضيافة فامتنع أهل تلك القرية كلهم من ضيافة هذين موسى والخضر
ومع ذلك وجد الخضر جدارا يريد أن ينقض، أي: متصدعا قريبا أن ينهار ويسقط فأقامه الخضر قيل: إنه دفعه بيده، وأعطاه الله تعالى قوة إلى أن استوى الجدار، وأمن من التصدع، وأمن من السقوط، واستقام كما كان، وقيل: إنه هدمه، وأعاد بناءه، حتى عاد سويًّا آمِنًا من السقوط، هكذا ذكر الله تعالى عن الخضر أنه أقامه، وأعاده: فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قد يقال: وهل للجدار إرادة؟ الجدار جماد، كيف تنسب إليه الإرادة؟ والإرادة: هي العزم على فعل الشيء، والقصد لفعله، والجدار جماد! ولهذا استدل المتكلمون بهذه الآية على المجاز، وقالوا: إن هذا من المجاز، حيث نسبت الإرادة للجماد، والصحيح: أنه ليس من باب المجاز بل هو حقيقة، وأن لكل شيء إرادته؛ فإرادة الجدار تناسبه، وإرادة الإنسان تناسبه، وقد ذكر الله تعالى أن الجمادات تسبح من جملة من يسبح، داخلة في قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ من في السماوات، ومن في الأرض يعم الجماد، والمتحرك، وكذلك قوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فإذا كانت الجبال، والحيطان، وما أشبهها تسبح دل على أن فيها حياة تناسبها، كذلك أيضا قد ذكر الله أنها تسجد بأمر الله تعالى في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أي: كلها تسجد لله تعالى بما فيها الجبال وهي جماد، وبما فيها الشجر وهي جماد، ولكنها تسجد بما سخرها الله، وجعل فيها من المعرفة، فلا مانع من أن يكون في الجدار هِمَّة، وحركة يعلمها الله تعالى وإرادة تناسبه.
والحاصل: أن موسى لما رأى الخضر أقام هذا الجدار، وسواه، وأعاده صحيحا تعجب أن هؤلاء كلهم قد منعونا من القِرَى، وقد بخلوا علينا بالطعام، ولم يضيفونا، ومع ذلك تصلح جدارهم، وتخدمهم، وتصلح هذا الذي يريد أن ينقض لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا لاتخذت أجرة على إصلاحه وإقامته، ونحن بحاجة إلى هذه الأجرة؛ نشتري بها قوتا نتغذى به، أنكر على الخضر إصلاح هذا الجدار، مع أن أهل البلدة كلهم بخلاء.
فعند ذلك أنكر عليه الخضر هذا الإنكار، وقال: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ الآن قد صبرتُ عليك مرارا، وهذا آخرها، آخر ما أجتمع معك بأنك تنكر علي، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - رحم الله موسى وددنا لو صبر؛ حتى يقص الله تعالى علينا من نبئهما ما يقص يعني: مما فيه فائدة.